تم نسخ الرابط بنجاح

توحيد المملكة العربية السعودية

saudipedia Logo
توحيد المملكة العربية السعودية
مقالة
مدة القراءة 15 دقيقة

توحيد المملكة، هو إعادة تحرير وتوحيد أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية، كانت قد قُسمت واقتُطع منها، واستطاع آل سعود أن يعيدوا توحيدها ضمن الدولة السعودية منذ قيام الدولة السعودية الأولى،وهي المساحة الجغرافية التي تُعرف اليوم باسم المملكة العربية السعودية.

وقد جاء توحيد المملكة بعد فتح الرياض وتأسيس حكم المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حيث أمضى 32 عامًا في توحيدها، إذ بدأ رحلته في استعادة مناطق قلب الدولة السعودية بعد أشهر من استعادة الرياض.

حال الأقاليم قبل الحكم السعودي

الأوضاع في نجد

 ببعدها عن مواطن الامتزاج مثل المناطق الساحلية والمشاعر المقدسة، كانت نجد أقل المناطق في جزيرة العرب تأثرًا بالسكان غير العرب، وغالبية أهلها ينتمون إلى قبائل عربية معلومة النسب، وكانت للزعامة فيها أسس متينة مثل النسب والكرم والشجاعة، وجرت العادة على أن يكون الحكم فيها متوارثًا بين الأسرة، وانتقلت الزعامة فيها بين قبائل مختلفة وكان لها أمراء مثل أمراء العيينة، وأمراء ثرمداء، وروضة سدير، وبريدة.

وكانت الحياة الاقتصادية فيها تقوم على التجارة المحلية للمنتجات الزراعية والحيوانية، مثل منتجات الإبل والأغنام من اللبن والسمن والأقط والصوف، إلى جانب التجارة الإقليمية بين البلدان المجاورة لنجد أو بين حاضرتها وباديتها، والتجارة الخارجية، وتتمثلّل في الملابس والأطعمة والأسلحة.

الأوضاع في شرقي البلاد

أُطلق على الجزء الشرقي من البلاد آنذاك "البحرين"، ويشتمل على جهتين هما الأحساء والقطيف، وأُقيمت في مسجد جواثا الواقع في تلك المنطقة أول جمعة بغير المسجد النبوي، وكانت تسكنها قبيلة عبدالقيس؛ وهي من أوائل القبائل التي دخلت الإسلام.

وكانت المنطقة تحت حكم القرامطة إلى أن استطاع عبدالله بن علي العيوني من بني عبدالقيس أن يقضي على دولة القرامطة بمعونة عسكرية من الدولة العباسية،واستمرت الأسرة العيونية بحكم المنطقة الشرقية إلى قبيل منتصف القرن السابع الهجري، حين انتزعت منهم الحكم قبيلة بني عامر التي يزعمها عصفور بن راشد، واستمروا بحكم البلاد حتى أنهى حكمهم سعيد بن مغامس، ثم استعاد الحكم فيها بنو عامر حتى عام 820هـ/1417م،ثم توالى فيها حكم أسر مختلفة من بني عامر إلى أن خضعت المنطقة للحكم العثماني لحوالي 120 عامًا، إلى أن نجح آل حميد زعماء بني خالد في السيطرة على المنطقة الشرقية واستلام حكمها، واستمر بنو خالد بحكمها حتى دخلت المنطقة تحت حكم الدولة السعودية الأولى.

وكانت الحياة الاقتصادية في المنطقة تعتمد على الزراعة والتجارة وصيد الأسماك واللؤلؤ، وتمتّع سكان المنطقة بالرخاء الاقتصادي أكثر من بقية المناطق، إذ انتقل إليها الكثير ممن أجبرتهم الظروف المعيشية في نجد على النزوح. 

الأوضاع في الإقليم الحجازي

انتزع محمد بن سليمان الحسني حكم إمارة مكة من الوالي العباسي عام 301هـ/914م، وبقي حكمها في أيدي الأشراف الحسنيين حتى استولى عليها القرامطة عام 317هـ/929م، ثم استطاع الزعيم جعفر بن محمد الحسني أن يسيطر على مكة وما حولها،وقد استمر الهاشميون من الأشراف بحكمها حتى انتزع منهم الإمارة قتادة بن إدريس عام 597هـ/1201م، وبقيت هذه الطبقة من الأشراف تحكم الحجاز حتى عام 1343هـ/1925م.

واعتمدت الحياة الاقتصادية في الحجاز على الثروة الحيوانية ومنتجاتها، في حين اعتمد سكان سواحلها على الثروة السمكية، وقد كانت الحياة الاقتصادية في الحجاز تتأثّر بالأحوال السياسية العامة، فإذا ما استقرت الأوضاع السياسية تتحسن الأحوال الاقتصادية، وفي حال حدوث العكس تتدهور الأحوال وتحلّ الكوارث الاقتصادية.

الأوضاع في جنوب غربي البلاد

شمل الإقليم الجنوبي الغربي عسير وجازان (المخلاف السليماني) ونجران، وامتدّ نفوذ الأشراف من العقبة شمالًا إلى القنفذة جنوبًا، وشملت تهامة عسير وسراتها، وكان نفوذهم واضحًا أكثر في تهامة لسهولة التحرك العسكري في الأجزاء الساحلية منها، أما السراة فقد كانت بعض القبائل فيها متحالفة مع الأشراف، وبعضهم الآخر كان ولاؤهم الحقيقي لزعماء المنطقة المحليين.

وكانت الحياة الاقتصادية في عسير قائمة على الزراعة والثروة السمكية والحيوانية، متأثرة بالظروف السياسية والعوامل الطبيعية، وبشكلٍ عام لم تكن الأحوال الاقتصادية فيها سيئة نظرًا للأمطار الموسمية فيها.

أما جازان فقد كان تُسمى بالمخلاف السليماني نسبةً إلى سليمان بن طرف الحكمي الذي وحّد المنطقة عام 373هـ/983م،وانتهت إمارته على يد الحسين بن سلامة، فأصبح المخلاف عبارة عن إمارات عديدة يتولّى قيادتها زعماء من الأشراف حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، حين نجح الشريف أحمد بن محمد بن خيرات في توحيد البلاد تحت قيادته، وكانت الحياة الاقتصادية في المخلاف تعتمد على الزراعة والتجارة والثروات الحيوانية والسمكية، وقد كانت موانئها نشطة تجاريًا، وتشتهر بأرضها الخصبة وأمطارها الغزيرة.

أما نجران فأكثر السكان فيها كانوا من قبائل يام، الذين اشتهروا بنشاطهم العسكري وهو من أهم مصادر الدخل لهم حينذاك، وكثيرًا ما استعان بهم زعماء المخلاف السليماني في حروبهم، وكان المكارمة زعماء نجران الدينيين إلى أن دخلت تحت حكم آل سعود.

تأسيس المملكة العربية السعودية

معالم العاصمة السعودية

مثّل موقع العاصمة الرياض وسط الجزيرة العربية أهمية عظمى على مدى عصور، فقد كانت واحة بارزة في المنطقة، ومسارًا رئيسًا لطرق التجارة والحج والعمرة والهجرة، ولها دور رئيس في نشر الدين الإسلامي لمختلف أنحاء الجزيرة العربية.

كانت العاصمة الرياض تُسمى حينئذ بنجد،وتنقسم إلى عدّة أقاليم، من أهمها: وادي الدواسر والفُرَع والأفلاج والخرج والعارض والمحمل وسدير والوشم والقصيم وجبل شمَّر، إذ أُطلق على هذه الأقاليم اسم "اليمامة" باستثناء القصيم ووادي الدواسر وجبل شمَّر.

وللرياض مكانة ودور تاريخي لا يُنسى، ولا سيما بعد إعلان "اتفاق الدرعية" بين الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب الذي تأسست بموجبه الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/1727م،وكانت الدرعية عاصمةً لها،ومن ثم قرر الإمام تركي بن عبدالله اختيار "الرياض" عاصمة للدولة السعودية الثانية.

الخروج من الرياض

تعرّضت الدولة السعودية خلال مراحل تأسيسها للكثير من الحملات المغرضة والاضطرابات الداخلية، وكان لأمير حائل حينئذ محمد بن عبدالله بن رشيد مطامع بأن يضمّ الرياض إلى إمارته، ولا سيما بعد أن حاصرها لمدة 40 يومًا، إلى أن خرج الإمام عبدالرحمن مع ابنه عبدالعزيز بن عبدالرحمن مع وفد من كبار أعيان الرياض لمفاوضته على الصلح، وانتهى الأمر بالاتفاق على بقاء إمارة الرياض وما يتبعها تحت حكم الإمام عبدالرحمن.

وواصل ابن رشيد محاولاته في الاستيلاء على الرياض إلى انتهاء الدولة السعودية الثانية عام 1309هـ/1891م، حيث خرجت أسرة آل سعود من الرياض وتنقّلوا في الصحراء بين قطر والبحرين والأحساء، وبين باديتي "آل مرة" و"العجمان"، وكان الإمام عبدالرحمن يعتمد على ابنه عبدالعزيز في المراسلات السياسية، فأرسله لطلب الإذن من أمير البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لإقامة النساء من عائلته في البحرين، خوفًا عليهم من اضطراب الأمن في البادية، فوافق الشيخ عيسى على ذلك.

ثم عاد الإمام عبدالرحمن إلى الرياض بعد تنظيم جيشه، وواجهه ابن رشيد في "حريملاء"، لكنه لم يظفر بالمعركة، وعاد إلى البادية حيث أرسل الملك عبدالعزيز إلى الأحساء ليتفاوض مع الدولة العثمانية من خلال متصرفيها بشأن إقامته وعائلته فيها، ورُفض طلبه، وبقي الإمام في البادية 7 أشهر.

وقد استأذن الإمام عبدالرحمن من الشيخ قاسم بن ثاني -أمير قطر- للإقامة فيها، فأذن له وأقام في قطر 4 أشهر، إلى أن انتقل الإمام وأسرته إلى الكويت عام 1311هـ/1893م، وقد كان الإمام مهتمًا للانتقال إلى الكويت نظرًا لقربها من الرياض، حتى يتمكّن من الاطلاع على أحوال الرياض ويستعد للعودة إليها، وأكسبت هذه التنقلات في الصحراء  والأحداث المتتالية الملك عبدالعزيز خبرة قياديّة، تعرّف من خلالها على طباع البادية وجغرافية المنطقة وطرقها ومواردها، والأوضاع الإدارية للأقاليم المحيطة، وكان يقضي معظم وقته في الكويت لدراسة طرق استعادة الرياض.

استعادة حكم الرياض

واصل الملك عبدالعزيز إصراره على استعادة الرياض، ولم يشعر باليأس بالرغم من أن الأوضاع لم تكن في مصلحته، ولا سيما وأن العلاقة بين حائل والكويت اتسمت بالتوتّر، وتصعّدت حدة الخلافات بين الشيخ مبارك والأمير عبدالعزيز بن متعب بن رشيد الذي تولّى الإمارة بعد مقتل محمد بن عبدالله بن رشيد، خاصةً بعد وقوع "معركة الصريف" التي تُعدُّ واحدة من أهم الأحداث بين الكويت وحائل، حيث بدأت خلالها أولى محاولات الملك عبدالعزيز لاستعادة الرياض، بانفصاله عن جيش الشيخ مبارك، والتوجّه نحو الرياض.

حاصر الملك عبدالعزيز المصمك 40 يومًا تخللها قتال بين الطرفين، وكان يخطط لحفر نفق لدخول قصر المصمك، وبدأ في تنفيذ خطته إلى أن جاءته أخبار هزيمة الشيخ مبارك، واضطر لفك الحصار عن المصمك والخروج من الرياض، وكان يُعدُّ هذا أول عمل عسكري بقيادة الملك عبدالعزيز.

وبقي الملك عبدالعزيز يلحّ على والده بمحاولات أخرى لاسترداد الرياض، وكان الإمام يرفض ذلك، إلى أن قال له عبدالعزيز: "أنت أمام خطتين؛ إما أن تأمر أحد رجالك بانتزاع رأسي من بين كتفيّ، أو أن تأذن لي وتأخذ عهدًا من الشيخ مبارك بتسهيل خروجي للقتال في بطن نجد"، فوافق الإمام وسهّل له الشيخ مبارك خروجه من الكويت للرياض.

وفي عام 1319هـ/1901م، وبعد أشهر من محاولته الأولى في معركة الصريف، خرج الملك عبدالعزيز لاستعادة الرياض ومعه 40 ذلولًا؛ وهي إبل سريعة العدو، و30 بندقية و200 ريال،بمعيّة رجال من أسرته وأتباعه المقربين، وأغار الملك أثناء مسيرته على بعض القبائل الموالية لابن رشيد، محققًا انتصارات متتالية، أعلن من خلالها قوته وذاع صيته بين القبائل، واجتمع الرجال من حوله وانضموا لصفوفه استعدادًا لدخول الرياض، وبعد 5 أيام وصل إلى "حفر العتك"، وأرسل طلائع إلى الرياض لجمع المعلومات عن أوضاعها ليعرف إمكانية مهاجمتها، حتى عادوا إليه بأخبار تُفيد بأن الوقت غير مناسب للتقدم إلى الرياض.

تراجع الملك عبدالعزيز عن دخول الرياض في ذلك الوقت، مواصلًا تحركاته إلى القبائل الموالية لابن رشيد في بادية نجد، منتصرًا في معاركه معهم، موزعًا جميع الغنائم على رجاله لدعمهم وتشجيعهم، وكان هدفه من الغارات تهيئة رجاله لاستعادة الرياض،ومعرفة مدى سهولة التحرك في المناطق التي تقع في نفوذ الدولة العثمانية في جهات الأحساء، ثم عاد برجاله إلى الأحساء وبقي فيها نحو 4 أيام، واتجه إلى الشمال في بادية سدير ثم إلى بنبان قرب الرياض، حيث زادت هذه الغارة عدد رجاله، وكانت القوات العثمانية تُضيّق عليه الخناق، واشتدت الضغوط عليه بسبب قلّة المؤونة ومراقبة تحركاته، وقلّ عدد رجاله حتى لم يبقَ منهم سوى الذين خرجوا معه من الكويت و23 رجلًا ممن انضمّوا إليه خلال مسيرته.

قام الملك عبدالعزيز بوضع استراتيجية جديدة، معتمدًا على السرية والمباغتة بقلّة من الرجال، ثم اتجه برجاله إلى رمال الجافورة شمال صحراء الربع الخالي بهدف التخفّي عن الأنظار، والاستعداد للزحف نحو الرياض، وهي منطقة خالية من السكان وطبيعتها صعبة ومناخها قاسٍ، اعتمد في التنقّل فيها على ذكريات من حياته المبكرة التي قضاها بالتنقّل مع والده في الربع الخالي، وأقام فيها مع رجاله 50 يومًا، من بداية شعبان إلى 20 رمضان 1319هـ/نوفمبر- ديسمبر 1901م.

خرج الملك عبدالعزيز لاستعادة الرياض، متجهًا إلى باحة قصر المصمك وهي مقرّ حاكم الرياض، وكانت استراتيجيته تتمثّل في الهجوم على عجلان -حاكم الرياض في وقتها- في منزله دون التعرّض لأهالي المدينة، فتسلل مع رجاله لدخول المنازل المقابلة للقصر، وبعد تأمين موقعهم انضمت له مجموعة من رجال أخيه محمد، التي كانت تُعسكر قُرب الرياض، ومع مطلع فجر 5 شوال 1319هـ/14 يناير 1902م، دخل الملك عبدالعزيز ورجاله القصر، وهزموا حامية عجلان بن محمد العجلان، وانتهت المعركة بمقتل عجلان وبعض من رجاله، واستسلم بقيّتهم، وأُعلن يومها أن الحكم لله ثم لعبدالعزيز.

مبايعة الملك عبدالعزيز إمامًا لنجد

بعد إعلان استعادة حكم آل سعود ودخولهم لقصر المصمك،  واستعادة الملك عبدالعزيز موطن آبائه وأجداده، بدأ الملك بإعادة بناء سور مدينة الرياض الذي تم هدمه في وقتٍ سابق، وأرسل ناصر بن سعود إلى الكويت، ليُخبر الإمام عبدالرحمن والشيخ مبارك الصباح بانتصار الملك عبدالعزيز، ويطلب منهم المساعدة، وبعد مرور شهر جاء الأمير سعد أخو الملك عبدالعزيز بمعيّته 100 رجل، معهم بعض الذخيرة، وانضم عدد من أهالي نجد لصفوف الملك عبدالعزيز، فأصبح جيشه يضمّ ما يقارب 1000 رجل.

حضر الإمام عبدالرحمن من الكويت مع أسرته، حيث أبلغه الملك عبدالعزيز بأن الإمارة ملك له، وأنه جندي في خدمته، لكن الوالد رفض أن تكون له الإمارة، وتنازل عن الحكم لابنه وقَبِل الملك عبدالعزيز الإمارة، على شرط أن يكون لأبيه الإشراف الدائم على عمله وإرشاده إذا ما لزم الأمر، وفي عام 1320هـ/1902م، تسلّم الملك عبدالعزيز إمارة الرياض، وأعلن والده تنازله عن الحكم، وأهدى له سيف الإمام "سعود الكبير"؛ وهو الإمام الثالث للدولة السعودية الأولى.

مسيرة توحيد المملكة العربية السعودية

بذل الملك عبدالعزيز جهودًا عظيمة في قيادته لعملية توحيد المملكة، إذ قضى 32 عامًا في توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية التي كانت منفصلة كل منها على حدة، وقيادة الشعب نحو عهدٍ جديد يتسمّ بالأمن والاستقرار،ورسم له كفاحه طوال حياته تأثيرًا سياسيًا معروفًا عند الدول المجاورة وقتها، وأصبحت عبقريته ومنجزاته محل اهتمام المؤلفين والكُتَّاب من مختلف أنحاء العالم.

وخاض الملك عبدالعزيز في توحيد المملكة عشرات المعارك، أبرزها 26 معركةً بدأها بالدلم عام 1320هـ/1902م، وشملت بعد ذلك فيضة السر وعنيزة والبكيرية وشنانة وروضة مهنا والطرفية وتربة وحائل والطائف وجدة وجازان ونجران، وعددًا من مدن ومناطق المملكة.

وأثار توحيد الملك عبدالعزيز للمملكة إعجاب عدد من المراقبين، حيث وصفه الدكتور النمساوي فون دايزل الذي زار المملكة عام 1344هـ/1926م، بالنابغة، قائلًا "إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معًا، بعد أن كان زعيمًا يأتمر به عدد من الرجال، وتمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده، لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يسمى نابغة".

أطراف الرياض والقصيم

بدأ الملك عبدالعزيز توحيد البلاد بالجهات الجنوبية من نجد، لقربها من الرياض وولاء أهلها إلى الدولة السعودية، فضلًا عن كونها مأوى لكثير من المناهضين للعثمانيين.

ولأهمية منطقة القصيم ودورها في مجالات الزراعة والتجارة،أدرك الملك عبدالعزيز والأمير عبدالعزيز بن رشيد أنها ستكون مسرح الحسم بينهما،فبعث الملك عبدالعزيز لوجهاء القصيم المغتربين في الكويت هربًا من بطش ابن رشيد وتسلطه،فانضموا إليه في منطقة الزلفي مطلع رمضان عام 1321هـ/20 نوفمبر 1903م، وتريَّث في مهاجمة ابن رشيد في ذلك الوقت لحاجته للتزود بالدواب والمؤن.

اتجه الملك عبدالعزيز إلى منطقة القصيم الواقعة شمال غربي الرياض، بعد أن ضم بلدة السرّ إلى إمارته، واستقبله أمراء بريدة من آل مهنا وأمراء عنيزة من آل سليم، وقدّموا له المبايعة،ثم هاجمت قوّات الملك عبدالعزيز عنيزة عام 1322هـ/1904م، ونجحت في ضمّها لحكم آل سعود،وفي العام نفسه حُوصرت بريدة واضطرّت حامية ابن رشيد بقيادة عبدالرحمن بن ضبعان إلى الاستسلام، وهذا سهّل على الملك عبدالعزيز ضم جميع البلدات في القصيم.

وما لبث أن عاد ابن رشيد إلى الرياض مدعومًا بجيش تابع للدولة العثمانية، والتقى معهم الملك عبدالعزيز في "معركة البكيرية" التي انتهت بهزيمة جيش الملك عبدالعزيز، ثم تواجهوا مرةً أخرى في "معركة الشنانة"، واستخدم جيش الملك عبدالعزيز استراتيجية جديدة تتمثّل في تقسيم الجيش إلى قسمين؛ يواجه فيها قسم جيش ابن رشيد، وقسم آخر يواجه الجيش العثماني، وتمكّن جيش الملك عبدالعزيز من الفوز في تلك المعركة.

حاول ابن رشيد الهجوم مرة أخرى في عام 1324هـ/1906م، وصل بجيشه إلى روضة مهنا شرق بريدة، لكن الملك عبدالعزيز نجح في هزيمته وقتله، وانسحب جيشه إلى حائل، ثم خلفه ابنه متعب الذي عقد صلحًا مع الملك عبدالعزيز، وبذلك أصبحت القصيم بأكملها تحت إمارة آل سعود.

الأحساء والقطيف

في عام 1331هـ/1913م، قرر الملك عبدالعزيز تحرير مناطق القطيف والأحساء وإعادتها إلى الدولة السعودية، مثلما كانت جزءًا من الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وهي خطوة مهّدت إلى إنهاء وجود العثمانيين في المنطقة التي كانت مقرًّا لهم، وهم الذين مثلوا عدوًا مباشرًا للسعودية وساعدًا لخصومه طوال فترة توحيد مناطق الدولة السعودية.

وقد كان الملك عبدالعزيز يهدف إلى التوسع نحو الأطراف الشرقية من شبه الجزيرة العربية، بضم الأحساء إلى دولته لتصل حدودها إلى البحر وتصبح ذات أهمية اقتصادية، وفي عام 1331هـ/1913م، خرج الملك عبدالعزيز من الرياض بسرية متوجهًا إلى الأحساء، وعند وصوله إلى سور المدينة تسلَّق رجاله السور ودخلوا المدينة، وأعلنوا ضم الأحساء إلى حكم آل سعود، وتراجعت قوات العثمانيين واستسلمت، وغادروا إلى العراق عبر البحر، ثم تمكن الملك عبدالعزيز من ضم بقية مناطق الأحساء إلى دولته.

حائل

في الفترة ما بين 1333هـ/1915م، و1337هـ/1919م، شهدت أطراف حائل تحركات عسكرية من قوات الملك عبدالعزيز، وتجدد القتال بينه وبين ابن رشيد بسبب نقض آل رشيد معاهدة الصلح التي تمّت بينهم وبين آل سعود، فلم يكن لدى الملك عبدالعزيز خيار آخر سوى مواجهة جيش آل رشيد، ودارت بينهما عدة معارك، بما في ذلك معركة جراب التي وقعت بالقرب من محافظة الزلفي، وقد أرسل الملك عبدالعزيز قواته إلى حائل واستمرت بمحاصرتها لمدة شهرين حتى استسلمت وانضمت إلى حكمه في بداية عام 1340هـ/1922م.

الحجاز

في أولى معارك استرداد منطقة الحجاز، انتصر الملك عبدالعزيز على قوات الشريف حسين بن علي في "تربة"، حيث أقام فيها عشرة أيام يدير أمورها، قبل أن يعيِّن عليها أميرًا من طرفه، وبوساطة بريطانية توقف الملك عبدالعزيز عن التقدم لبقية مناطق الحجاز، بينما منع الشريف حسين النجديين من الحج في الأعوام التالية، مما دعا الملك عبدالعزيز لاستعادة الطائف بالقوة العسكرية، ودخول مكة في عام 1343هـ/1924م، دون قتال، ثم تبعتها في ذلك المدينة المنورة بعد عام ودخلت للحكم السعودي.

أرسل الملك عبدالعزيز قواته بقيادة سلطان بن بجاد نحو الأجزاء الغربية من الجزيرة العربية؛ لنصرة خالد بن لؤي أمير تُربة الذي أعلن انضمامه إلى حكم الملك عبدالعزيز،حيث هاجمت قوات الشريف حسين بن علي بقيادة ابنه عبدالله بن الحسين تُربة وفتكوا بأهلها؛ لكن لم يستمر ذلك طويلًا، إذ باغتهم سلطان بن بجاد وخالد بن لؤي بهجوم مفاجئ وكبير في عام 1337هـ/1919م، نتج عنه هزيمتهم ولم ينجُ منهم إلا القليل، وبانتصار الملك عبدالعزيز في تربة بدأ بالتوجّه نحو الحجاز، وأرسلت له بريطانيا تطلب منه التوقف عند حدود تربة وألا يتقدم نحو مناطق أخرى في الحجاز.

منع الشريف الحسين الحجاج النجديين من أداء فريضة الحج انتقامًا من خسارته في معركة تربة، فعقد الملك عبدالعزيز مؤتمر الرياض في 1342هـ/1924م، برئاسة والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل، ومشاركة علماء وزعماء الحاضرة والبادية للتشاور حول أمر منع الحج عنهم، وتقرر أن يمضي النجديون إلى الحج رغم المنع، فأرسل الملك عبدالعزيز جيشًا يضم 15 لواءً إلى الحجاز في عام 1343هـ/1925م، وتمكّن من ضم الطائف إلى حكم آل سعود بعد هزيمة قوات الشريف الحسين.

ثم اتجهت قوات الملك عبدالعزيز إلى مكة المكرمة وكان قد غادرها حينذاك الشريف علي بن الحسين متوجهًا إلى جدة، ودخل أفراد الجيش السعودي إلى مكة المكرمة محرمين مسالمين دون حرب، وانتظروا قدوم الملك عبدالعزيز، الذي خرج من الرياض مع مجموعة من الفرسان وحاشية مؤلّفة من الأمراء والعلماء والوجهاء من الحاضرة والبادية، وانضم إليه في الطريق 15 لواءً، وكان يقف يومًا أو يومين في بعض المواقع لاستقبال الوفود من القبائل، استغرقت هذه الرحلة 25 يومًا، وفي 7 جمادى الأولى 1343هـ/3 ديسمبر 1924م، دخل إلى مكة المكرمة محرمًا لأداء مناسك العمرة، وبقي فيها نحو شهر قبل التوجه إلى جدة.

وفي العام ذاته استكمل الملك عبدالعزيز توحيد مناطق الحجاز، حيث دخلت الليث والقنفذة في حكمه سلمًا، وحاصرت قواته مدينة جدة عامًا كاملًا بعد أن تحصّن فيها الحسين بن علي وقواته،وأثناء ذلك كان يرسل السرايا إلى شمال الحجاز نحو المدينة المنورة وما جاورها من مدن حتى ضمها إلى حكمه، ودخل المدينة المنورة سلمًا مثلما حدث في مكة المكرمة، ثم استسلم الحسين وطلب الصلح ووُقعت اتفاقية جدة في 1344هـ/1925م، وبذلك وحّد الملك جميع أجزاء الحجاز مع الدولة السعودية، وبُويع ملكًا على الحجاز يوم الجمعة 25 جمادى الآخرة 1344هـ/10 يناير 1926م، في المسجد الحرام عقب صلاة الجمعة وقرب باب الصفا، ليصبح الملك عبدالعزيز بذلك سلطان نجد وملك الحجاز.

عسير ونجران

كانت منطقة عسير جنوب غربي الجزيرة العربية تحت إمارة حسن بن علي آل عائض، وكانت حدود إمارته شمالًا تقترب من حدود الدولة السعودية الحديثة، ولجأ زعماء بعض القبائل هناك إلى الملك عبدالعزيز يتظلمون من حكم آل عائض، فأرسل له الملك عبدالعزيز توجيهًا بشأن ذلك، لكنه رفض مما اضطر الملك عبدالعزيز لإرسال جيش بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، التقى معه في معركة حجلا عام 1338هـ/1920م، وتمكّن من دخول أبها وضمها حتى حدود المخلاف السليماني غربًا، لكنه انقلب بعد فترة قليلة وهاجم أبها واستولى عليها، وذلك أثناء معارك الملك عبدالعزيز في حائل، وبعد الانتهاء من ضم حائل إلى الحكم السعودي، أرسل الملك عبدالعزيز جيشًا بقيادة ابنه الأمير فيصل "الملك فيصل لاحقًا"، في 1340هـ/1922م، وأعاد عسير إلى الحكم السعودي.

جازان وتهامة عسير

استكمل الملك عبدالعزيز حملات التوحيد في منطقة جازان وتهامة عسير جنوب غربي الجزيرة العربية، بعد أن بقيت تلك البلاد تحت حمايته أربعة أعوام بموجب معاهدة مكة المكرمة، التي عُقدت بين الملك المؤسس والحسن الإدريسي في 14 ربيع الآخر 1345هـ/20 أكتوبر 1926م،حيث أرسل الملك المؤسس قواته إليها وتنازل له الحسن عن الحكم، وفي عام 1345هـ/1926م، دخلت جازان ضمن الدولة السعودية وسلَّمت بشكل كامل لإدارة الملك عبدالعزيز في 1349هـ/1930م.

تأسيس الكيان السعودي الحديث

مراحل تسمية الدولة

أُطلقت على المملكة العربية السعودية في مراحل تأسيسها أسماء عدّة، لُقِّب على أثرها الملك عبدالعزيز بألقاب، منها: أمير نجد ورئيس عشائرها في عام 1319هـ/1902م، ثم أصبح سلطان نجد وملحقاتها في 1339هـ/1920م،وبعدما خضعت المناطق قرب نجد للحكم السعودي أصبح لقبه ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها 1344هـ/1926م، وحين نجح في ضمّ الحجاز لحكمه أصبح ملك الحجاز ونجد وملحقاتها 1345هـ/1927م، إلى أن نجح في توحيد المملكة ليصبح بذلك ملك المملكة العربية السعودية عام 1351هـ/1932م.

إعلان توحيد المملكة وتسميتها

استطاع الملك عبدالعزيز لملمة أجزاء البلاد، وتوحيد حكمها تحت إدارته، وجمع مدنها وقراها في 17 جمادى الأولى 1351هـ/19 سبتمبر 1932م، وصدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم هو: المملكة العربية السعودية، ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ/23 سبتمبر 1932م، دولة عربية ذات سيادة تامّة، دينها الإسلام، ولغتها العربية وعاصمتها الرياض، ودستورها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

وحين أنهى الملك عبدالعزيز توحيد المملكة العربية السعودية، قال: "لقد ملكت هذه البلاد التي تحت سلطتي بالله ثم بالشيمة العربية، وكل فرد من شعبي هو جندي وشرطي، وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أفضّل نفسي عليهم، ولا أتبع في حكمي غير ما هو صالح لهم".

نظام الحكم في المملكة العربية السعودية

يُعدُّ نظام الحكم في المملكة العربية السعودية نظامًا ملكيًا، والحكم فيه لأبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأبناء الأبناء، وتتم مبايعة الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، وتقام الدعوة لمبايعة الملك واختيار ولي العهد وفقًا لنظام هيئة البيعة، إذ يكون ولي العهد متفرغًا لولاية العهد، وما يُكلّفه به الملك من أعمال، ويتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة، ويستمد نظام الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من القرآن الكريم والسنة النبوية.

اليوم الوطني السعودي

تحتفل المملكة يوم 23 سبتمبر من السنة الميلادية في كل عام، بذكرى تاريخ إعلان توحيدها، وتُعدُّ عطلة رسمية فيها، وهو أحد الأيام التاريخية المهمة في التقويم السعودي، تعترف به الحكومة ويعتمده الديوان الملكي بصفته مادة ضمن اللوائح الرسمية للدولة، وتُرفع فيه برقيات التهنئة محليًا إلى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، ويحتفي به الكيان الوطني لدول مجلس التعاون الخليجية والدول العربية.

تُرفع رايات العلم السعودي في اليوم الوطني على المباني الحكومية كافة،وتُطلق الألعاب النارية والمسيرات الوطنية،وتُقام الخطب الرسمية والاحتفالات الوطنية في جميع مناطق المملكة.